قال تعالى: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم". صدق الله العظيم
الصدقة الجارية: هي ما يجري ثوابها وأجرها على المتصدق ويلحقه بعد موته لبقاء الانتفاع بها على الدوام، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنواع الصدقة والأعمال التي يلحق ثوابها للمسلم ويجري عليه أجرها بعد موته
فقال صلى الله عليه وسلم:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع، به أو ولد صالح يدعو له"رواه مسلم.
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث:" قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلَّفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف"اهـ.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علمه ونشره، وولداً صالحا تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه بعد موته"رواه ابن ماجه وابن خزيمة.
ومن الصدقة الجارية الوقف وله صور كثيرة، وضابطه: أن يحبس الأصل، وتُسبّل الثمرة أو النفع؛ كما روى البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَالَ:" إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا" قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ وَلا يُورَثُ وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ ".
فأنواع الصدقة الجارية كثيرة فمنها: بناء المدارس والمستشفيات الخيرية والمساجد، أو شراء مصاحف توضع في مسجد، أو وقف بيت أو محل، على أن يصرف ريعهما على الفقراء أو الأيتام أو الأقارب أو طلبة العلم أو غيرهم حسبما يحدد الواقف.
وحفر الآبار في المناطق التي تحتاجها كالبوادي والمدارس والقري النائية
وكذا تركيب برادات المياه الداخلية والحافظات بالمساجد ليشرب منهاالمصلون في تلك المساجد.
وكذا كفالة طلاب العلم حال طلبهم له وعكوفهم عليه وكذلك الدعاة الذين يجوبون الأرض لينشروا دين الله تعالى في أنحاء المعمورة، وهذا من أعظم المسالك التي يستمر خيرها فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أخوان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليطلب العلم والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:( لعلك ترزق به )أخرجه الترمذي.
وكذا تعليم الناس القرآن والسنة وأحكام الشريعة وتربيتهم عليها وتهذيبهم بها.
إلى غير ذلك من أنواع الصدقة الجارية وهي كثيرة جداً بحمد الله، والله تعالى أعلم.